الرئيس التنفيذي لـ «PayTabs»: الهندسة علمتني التفكير المنطقي لبناء إمبراطورية مالية
Posted on
يشهد قطاع المدفوعات الرقمية في المملكة العربية السعودية تحولًا جذريًا مدعومًا برؤية 2030، التي تسعى إلى تعزيز التحول الرقمي وتمكين الابتكار في القطاع المالي. وفي ظل هذا النمو المتسارع تبرز شركة PayTabs كإحدى الشركات الرائدة في ذلك المجال.
وتقود الشركة ثورة الدفع الإلكتروني عبر حلولها المبتكرة التي تلبي احتياجات الأفراد والشركات على حد سواء.
قطاع المدفوعات الرقمية
وترتكز PayTabs على رؤية مؤسسها والرئيس التنفيذي عبد العزيز الجوف؛ الذي حجز مكانًا له بين أبرز رواد الأعمال المبدعين في المملكة بعد إدراجه في قائمة “فوربس الشرق الأوسط” لأكثر الشخصيات ابتكارًا لعام 2015.
ومنذ تأسيسها استطاعت الشركة أن تضع بصمة واضحة في مشهد التقنية المالية. مستفيدة من التوجهات الحكومية الداعمة للرقمنة وزيادة الاعتماد على المعاملات غير النقدية.
في هذا الحوار نستكشف مع عبد العزيز الجوف مسيرة “بيتابس”، ودورها في تشكيل مستقبل المدفوعات الرقمية بالمملكة. وكيف تسهم تقنياتها في تمكين الشركات الناشئة والقطاعات المختلفة. فضلًا عن خططها الطموحة لتعزيز مكانتها كأحد أبرز اللاعبين في السوق المالية الإقليمية.
تحمل المسؤولية
ذكرت في مقابلة أنك بعت سيارتك لتؤسس مشروعك الأول، كيف أثّرت هذه التضحية في شخصيتك كرائد أعمال؟ وهل كانت هناك تضحيات أخرى لا يعرفها الجمهور؟
بيع السيارة كان أول قرار صعب اتخذته، لكنه مثل لحظة تحول مهمة في حياتي. التضحيات تشكل شخصية الإنسان، وتجعل منه شخصًا أكثر تركيزًا وستعدادًا لتحمل المسؤولية. هذه الخطوة علمتني أن الإيمان بالفكرة لا يكفي. بل يجب أن تكون مستعدًا لتقديم كل ما تملك من أجل تحويلها إلى واقع.
ومررت بفترات طويلة من العمل دون راتب، وسافرت لأيام طويلة بعيدًا عن عائلتي، وتحملت ضغطًا نفسيًا كبيرًا في سبيل بناء مشروع له معنى وتأثير. ومن التضحيات التي لا يعرفها كثيرون أنني قضيت شهورًا أعمل من مكاتب مؤقتة. أحيانًا حتى من المقاهي، وأنني واجهت الكثير من الإحباطات قبل أن أحقق أول نجاح حقيقي.
قلت إن بدايتك في ريادة الأعمال كانت مبنية على (تجارب وخسائر وأخطاء). ما الخطأ الأكبر الذي تعتبره درسًا غيّر مسيرتك؟
أكبر خطأ كان الثقة الزائدة في بعض الشراكات دون دراسة كافية. هذا علّمني أهمية التحقق والبحث العميق قبل اتخاذ أي قرار إستراتيجي. فالحماس الزائد في البدايات قد يجعلك تتغاضى عن إشارات التحذير، وهذا ما حصل معي.
وتعلمت أن الحماس لا يجب أن يتفوق على الحكمة، وأن الشراكة الحقيقية تحتاج إلى وضوح وثقة متبادلة ومصالح مشتركة. هذا الدرس جعلني أكثر حرصًا على وضع المعايير الصحيحة لتقييم الفرص والشركاء.
التقنية وحدها لا تكفي
كيف ساعدك التخصص الهندسي على بناء مشروع تقني بهذا الحجم؟ وهل كنت تتوقع دخولك عالم البزنس والتجارة؟
دراستي للهندسة علّمتني التفكير المنطقي، والقدرة على تحليل المشكلات، وبناء أنظمة قابلة للتوسع. هذه المبادئ ساعدتني كثيرًا على بناء بنية تحتية تقنية لشركة PayTabs.
البرمجة لم تكن فقط أدوات، بل طريقة تفكير سمحت لي باتخاذ قرارات مبنية على بيانات وأرقام. لم أتوقع في البداية دخولي عالم البزنس، لكن مع مرور الوقت أدركت أن التقنية وحدها لا تكفي. بل لا بد من وجود نموذج عمل قوي، وفهم عميق لاحتياجات السوق، ومرونة في التعامل مع المتغيرات الاقتصادية.
ما الطريقة الصحيحة برأيك لإقناع المستثمرين أو الشركاء بفكرة جديدة في مجال حساس مثل التقنية المالية؟
أولًا: يجب أن تكون مؤمنًا بالفكرة قبل أن تطلب من الآخرين الإيمان بها. فالإقناع يبدأ من ثقتك بنفسك وبما تطرحه.
وثانيًا: ينبغي تقديم بيانات واضحة، وتجارب سوقية تثبت الحاجة، مع خطة تنفيذ واقعية ومقنعة.
وأخيرًا: لا بد من الصبر والمتابعة. فبعض المستثمرين لا يقتنعون من أول لقاء. لكن الاستمرارية والقدرة على التكيف مع ملاحظاتهم تحدثان فرقًا كبيرًا. كذلك من المهم أن تضع نفسك مكان الطرف الآخر، وتفهم مخاوفه واحتياجاته.
PayTabs
كيف بدأت فكرة PayTabs تحديدًا؟ ومتى شعرت بأنها تحولت من مجرد فكرة إلى مشروع واعد؟
الفكرة بدأت من تجربة شخصية في محاولة لتحصيل دفعات إلكترونية بطريقة بسيطة وآمنة. لم أجد حلاً يلبي احتياجي في السوق المحلي، فقررت بناءه. ومن هنا بدأت أبحث عن طريقة لجعل المدفوعات الرقمية أكثر سهولة لأصحاب الأعمال. شعرت أن المشروع واعد عندما بدأنا نحصل على اهتمام من شركات خارج السعودية كانت تواجه نفس التحدي. لحظة التحول الحقيقية كانت عندما رأينا أول دفعة مالية تتم عبر منصتنا بنجاح – كانت تلك لحظة إدراك أن الفكرة أصبحت منتجاً قابلاً للنمو.
ذكرتم أنكم تعملون حاليًا في أكثر من 16 دولة. ما الأسواق التي تعتبرها الأصعب في الدخول لها؟ ولماذا؟
الأسواق التي لديها تنظيمات صارمة جدًا أو متقلبة مثل بعض دول أوروبا الشرقية أو آسيا تُعتبر الأصعب، والتحدي عادة يكون في التوافق مع القوانين المحلية. والتعامل مع تعدد العملات والتراخيص.
كما تختلف ثقافة الدفع الإلكتروني من دولة لأخرى، وبعض الأسواق لا تزال متمسكة بالنقد أو لديها ثقة منخفضة في الأنظمة الرقمية. لكننا نرى هذه التحديات كفرص للتعلّم والتوسع المدروس، ونعمل دائمًا على بناء شراكات محلية تسهل الدخول لتلك الأسواق.
ثقافة الدفع الإلكتروني
ما أهم خدمة أو منتج جديد تعملون عليه حاليًا في PayTabs ولم يعلن عنه بعد؟
نعمل على منصة جديدة تربط بين حلول الدفع والإدارة المالية اليومية للشركات الصغيرة، بطريقة ذكية ومتكاملة. والفكرة هي أن يكون نظام الدفع جزءًا طبيعيًا من النظام الإداري للشركة، وليس أداة مستقلة فقط.
هذه المنصة سوف تساعد الشركات على فهم تدفقاتها النقدية بشكل أفضل. وتدمج بين العمليات المحاسبية والمدفوعات في مكان واحد؛ ما يوفر وقتًا وجهدًا كبيرين.
قلت إن الخليج سيكون مركز حلول المدفوعات المالية في المنطقة، ما الذي نملكه ولا يملكه الغرب في هذا القطاع؟
نحن نملك البنية التحتية الحديثة، والدعم الحكومي القوي، والسرعة في التبني. في الغرب هناك أنظمة قديمة تحتاج إلى وقت وموارد لتحديثها، بينما نحن بدأنا من نقطة أكثر تقدمًا تقنيًا.
علاوة على ذلك يوجد تناغم قوي بين القطاعين العام والخاص في المنطقة، مع تشريعات مرنة وبيئة تشجع الابتكار. وهذا ما يجعل الخليج أرضًا خصبة لريادة الأعمال التقنية. خاصة في مجالات حساسة كالتقنية المالية.
قطاع المدفوعات الإلكترونية
كيف ترى مستقبل التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي في قطاع المدفوعات الإلكترونية؟ وهل لديكم خطط لاستخدامه لتحسين خدماتكم؟
الذكاء الاصطناعي سيكون لاعبًا أساسيًا، خاصة في مجالات، مثل: اكتشاف الاحتيال، وتخصيص تجربة المستخدم، وتحليل البيانات.
نحن في PayTabs نعمل على تطوير نماذج ذكية للتنبؤ بالأنماط المالية، وتقديم توصيات مخصصة للتجار، وتبسيط عملية إدارة المدفوعات. الهدف هو جعل كل عملية دفع أذكى وأسرع وأكثر أمانًا.
ما تقييمك للتشريعات واللوائح الحالية الخاصة بالمدفوعات الرقمية في السعودية والمنطقة؟ وهل ترى أنها تشجع الابتكار أم ما زالت تحتاج إلى تطوير؟
التشريعات في السعودية تطورت كثيرًا، وهناك انفتاح واضح من الجهات التنظيمية، مثل: البنك المركزي، لدعم الابتكار.
في حين شجع وجود بيئة قانونية واضحة على دخول شركات ناشئة واستثمارات أجنبية. بالطبع ما زالت هناك مجالات يمكن تحسينها، خصوصًا في سرعة الموافقات وتوحيد الإجراءات بين الهيئات، لكن الاتجاه العام إيجابي جدًا.
رواد الأعمال السعوديون
هل تعتقد أن رواد الأعمال السعوديين ينقصهم شيء محدد لينافسوا عالميًا؟
ما ينقص بعضهم هو التجربة والاحتكاك بالأسواق العالمية. لدينا الطموح والإمكانات، لكن نحتاج إلى قصص نجاح محلية تتوسع عالميًا حتى تصبح القدوة متاحة للجميع.
كذلك يحتاج البعض إلى الصبر، فالمنافسة العالمية تتطلب سنوات من العمل والمرونة والتعلم المستمر.
لو جاءك شاب سعودي لديه فكرة في التقنية المالية اليوم فما النصيحة الأهم التي تعطيها له؟
ابدأ من المشكلة، لا من الحل، وتأكد أن فكرتك تحل معاناة حقيقية يعيشها العملاء. لا تبنِ التقنية من أجل التقنية فقط، بل افهم العميل أولًا، وتحدث معه، وراقبه، واجعل من احتياجاته المحرك الأول لكل قرار تتخذه.
التقنية ليست الهدف، بل هي وسيلة لتحقيق تجربة أفضل. وابنِ علاقاتك مبكرًا، فالشبكة التي تحيط بك قد تكون أهم من الفكرة نفسها. وتذكّر دائمًا: التنفيذ أهم من الفكرة.
التقنية المالية
هل تفكر يومًا في دخول قطاعات جديدة غير التقنية المالية؟
ربما في المستقبل، لكن حاليًا تركيزي الكامل على PayTabs. القطاع ما زال فيه فرص ضخمة، والتحديات التقنية تحتاج لقيادة مركزة.
وأحب أن أتقن المجال الذي أعمل فيه قبل أن أتنقل إلى غيره. وإذا فكرت بالدخول في قطاع جديد، فسيكون نتيجة خبرة عميقة وإستراتيجية مدروسة.
كيف تقيّم بيئة ريادة الأعمال في السعودية والمنطقة؟ وهل ترى أنها أصبحت أكثر دعمًا مقارنة بالسابق؟
البيئة اليوم أفضل بكثير من عشر سنوات مضت. لدينا صناديق استثمار، ومسرعات أعمال، وتشريعات مشجعة. والدعم الحكومي أصبح ملموسًا، والمنصات التمويلية في ازدياد.
التحدي الآن في التنفيذ والاستدامة، وليس في الموارد. كما أن المجتمع أصبح أكثر تقبلًا لفكرة الريادة، وهذا تطور إيجابي.
لو عاد بك الزمن ما النصيحة الذهبية التي كنت ستعطيها لنفسك كرائد أعمال في بداياتك؟
ركّز على بناء الفريق المناسب من اليوم الأول، فالأشخاص يصنعون الشركة، وليس العكس. ولا تحاول أن تفعل كل شيء بنفسك، وتعلم كيف توزع المهام وتثق بالآخرين.
وابدأ دائمًا من العميل لا من التقنية. ولا تفرض حلًا وتبحث له عن مشكلة، بل ابحث عن المشكلة بصدق، وابتكر الحل المناسب لها.
حوار: منار بحيري
عرض الخبر الصحفي الكامل على: